top of page

التواصل العلمي - المقدمة

لقد أصبح اليوم، تطوير وتحسين التواصل العلمي قضية ملحّة أكثر من أي وقت مضى.

خلال فترة تأهيلنا لنصبح علماء وباحثين نتعلم الكثير من المهارات العلمية ونقوم بالكثير من المهام المعقدة لنصل إلى درجة تؤهلنا للبحث العلمي والتوصل إلى نتائج علمية تضيف للمعرفة الجمعية الإنسانية في مختلف التخصصات. ولكن، القليل منا من يتعلم أو يتدرب على كيفية توصيل نتائج تلك البحوث بشكل فعّال، بل وحتى لم يفكر في أهمية ذلك.

إن العلم إذا لم يصل إلى من يستفيد منه لن تكون له أهمية أو جدوى. ولو لم ينتقل العلم عبر الأجيال لما تراكم ونما، ولم تصل البشرية إلى ما هي عليه اليوم من حيث التقدم العلمي والتقني. في الجامعات، يُطلب من الأستاذ نشر الأوراق البحثية في المجلات والمؤتمرات العلمية وإلا قد يفقد وظيفته، والكثير "يضطر" لنشر وتقديم الأوراق البحثية في المؤتمرات حفاظاً على وظيفته، وقد يستصعبها البعض ويراها "شر لابد منه". والحقيقة هي أنه من أجل أن يكون أحدنا عالمًا ناجحًا (ومؤثرًا)، يجب أن يكون قادراً على التواصل بفعالية وثقة مع مجموعة متنوعة من الجماهير، باستخدام مجموعة من الوسائط المختلفة.

 

ينقسم التواصل العلمي إلى قسمين رئيسيين: تواصل داخلي وتواصل خارجي.

  • التواصل الداخلي، وهو تواصل الباحث مع العلماء الآخرين من خلال نشر الأوراق البحثية التي تتم مراجعتها من قِبل الأقران، ومن خلال العروض التي يقدمها لتوضيح نتائج بحوثه في المؤتمرات العلمية بكافة أشكالها، وتقديم المشاريع البحثية وما يتعلق بها من طلب المنح والتمويل، وما إلى ذلك. أي ما يتم داخل الوسط العلمي والأكاديمي. والفوائد الشخصية للقدرة على توصيل أبحاثنا بشكل فعّال داخليا قد لا تحتاج إلى شرح، من حيث التقدم الوظيفي والسمعة العلمية ونيل الجوائز وما إلى ذلك.

  • التواصل الخارجي، وهو ما يعني التواصل على نطاق أوسع مع الجمهور من غير المتخصصين، وهؤلاء أنواع مختلفة أيضاً.

وقد يتساءل البعض عن الغرض أو الفائدة من توصيل أبحاثنا خارجيًا. والحقيقة أنها فوائد كثيرة ومهمة. في عام 2017، نشرت كلية لندن الجامعية تقريرًا مفاده، كيف يمكن استخدام المشاركة مع العلم لتعزيز العدالة الاجتماعية وتطويرها؟ وذُكر فيه ما معناه: التقدم العلمي يعني أن الناس سيحتاجون إلى معرفة القراءة والكتابة في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات بشكل متزايد إذا كانوا يريدون أن يكونوا مواطنين نشطين يمكن أن يكون لهم رأي في المجتمع. فكيف يمكن لشخص أن يبدي رأيه في أمر يجهله؟ أو كيف يمكن أن يتصرف بشكل واعي في موضوع دون أن يكون لديه وعي به؟

بصفتنا ممارسين للعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، فإن فرصة إنشاء مجتمع أكثر شمولاً من خلال مشاركة، ومشاركة أفضل في العلوم هي سبب مقنع للغاية لماذا نتحمل، كعلماء، مسؤولية العمل مع غير العلماء.

إن العلم وتطبيقاته يشكلان حياة الناس بشكل كبير وهذا لا يخفى، كما أن السياسة باتت تتدخل في العلم بشكل واضح أيضاً، لذلك لابد من توعية الجمهور بالعلم وآثاره وتوجهاته وخلفياته حتى يكون للناس رأي في حياتهم ونشاط في مجتمعاتهم. وبالتالي، فإن من واجب العلماء نشر العلم والمعرفة في مجتمعاتهم كجزء من مسؤوليتهم الاجتماعية والأخلاقية. وهذه واحدة فقط من فوائد اجتماعية واقتصادية وثقافية وصحية وبيئية ... لا تكاد تحصى. فمن المؤكد أن الوعي الصحي والبيئي على سبيل المثال يقي المجتمع والدولة من كثير من المشاكل التي تؤثر سلبا على صحة المواطن وصحة البيئة ويوفر تكاليف باهظة ويحسن نوعية الحياة والاقتصاد.....

وعليه، فإن الغرض من هذه السلسلة من المقالات هو تقديم إرشادات حول كيفية أن تكون أكثر فاعلية في كل من التواصل العلمي الداخلي، والخارجي، لكي تصبح عالمًا أكثر نجاحًا وأكثر فائدة. ونرجو أن نتعلم من خلاله المهارات التي تمكننا من ذلك والتي لم نتدرب عليها من قبل.

وسنبدأ بنصائح عامة للتواصل العلمي الأكثر فعالية، داخليا وخارجيا، سواء كنت في الفصل الدراسي أو اجتماع مع الزملاء أو مع العشرات من أفراد الجمهور. "التركيز على المتلقي".

 

١- اعرف جمهورك

       أهم قاعدة للتواصل العلمي الفعّال هي أن تتذكر أن المجموعات المختلفة من الناس لديها توقعات واهتمامات مختلفة تريد أن تسمعها منك. فعلى سبيل المثال:

  • يريد عامة الناس معرفة كيف تؤثر أبحاثك على حياتهم ومجتمعاتهم.  يمكن أن يتخذ هذا الاتصال شكل عرض تقديمي رسمي في محفل عام، أو يمكن أن يكون محادثة غير رسمية مع الأصدقاء والجيران، أو غير ذلك.

  • تريد وسائل الإعلام أن تعرف ما الذي يجعل نتائج بحثك مهمة، بما في ذلك كيف يختلف ما تطرحه عن ما فعله الآخرون.

  •  يرغب المستثمرون المحتملون في معرفة ما إذا كان عملك سيوفر لهم عائدًا كبيرًا.

  • سيهتم الأقران بتحديد ما إذا كان عملك قد يوفر فرصة للتعاون في المستقبل. 

  • تحتاج القيادة في الشركة أو المصنع الذي تعمل به إلى معرفة ما إذا كان المشروع قد حقق النتائج المتوقعة ويجب أن يتقدم إلى المرحلة التالية، أو ما إذا كانت هناك حاجة للتغييرات.

 

وهكذا، من المهم أن تتعامل مع كل جمهور بشكل مختلف وأن تصمم اتصالاتك بناءً على اهتمامات المجموعة التي تتواصل معها. دائما، ركز على المتلقي سواء كان قارئا أو مستمعا أو مشاهدا... 


٢- تحديد أهداف الاتصال 

ماذا تريد أن تكون نتيجة التواصل؟ تبنى هذه الخطوة على معرفة جمهورك لتحديد أهداف وغايات التواصل.

فمثلاً، إذا كان الاجتماع مع قادة الأعمال مثل الشركة التي تعمل فيها أو المستثمرين المحتملين، غالبًا ما يكون الهدف واضحًا وهو تقديم نتائجك والحصول على الدعم للعمل الإضافي. 

في حالات أخرى، مثل الاجتماعات العامة أو العروض التقديمية، قد يكون لديك هدف أو أكثر، مثل: التثقيف وزيادة الوعي، وبناء الثقة، والتأثير في السياسة أو البحث، وتشجيع التغيير، أو أن تكون جزءًا من حوار. في مثل هذه الحالات، خذ بعض الوقت قبل التواصل من أجل البحث عن المجموعة التي ستخاطبها (وكذلك أي متحدث آخر سيشاركك) من أجل فهم وجهة نظرهم بشكل أفضل.  فتحديد الأهداف أساسي لبناء خطة تقديمك والوصول لهدفك. 


٣- ابدأ بأهم المعلومات

في البحث العلمي أو الطبي، تظهر النتائج الرئيسية في نهاية الورقة، بعد أن يقدم المؤلفون معلومات أساسية ويصفون منهجيتهم، ثم يحددون القيود المحتملة، وينطبق الشيء نفسه على العروض التقديمية في المؤتمرات العلمية.

أما في حالة التواصل مع صانعي السياسات ومتخذي القرارات أو العامة وغير المتخصصين، فإن التواصل الناجح يعتمد على الوضوح والإيجاز. كما أن ترتيب السرد يكون معكوساً، أي أن المحصلة النهائية للبحث تكون هي المقدمة، يليها بسرعة "ماذا يعني ذلك؟" وهذا يوضح أهمية النتائج، ثم التفاصيل الداعمة، حسب الاقتضاء.

قد يكون لدى المتخصصين من المجتمع البحثي الوقت والاهتمام لمعرفة التفاصيل وتكريس وقتاً لذلك، ولكن الآخرين ليسوا كذلك، فضع ذلك في اعتبارك دائما أثناء التخطيط لاستراتيجية (الاتصال) سواء كانت عرضا تقديمياً أو مقالاً في موقع أو مجلة لتبسيط العلوم. 


٤- تجنب المصطلحات 

تعد الاختصارات والأحرف الأولية والاختصارات والمصطلحات الفنية شائعة في الأوراق البحثية والعروض التقديمية والمحادثات أثناء العمل. ومع ذلك، فإن التواصل العلمي الفعّال يظل بعيدًا عن المصطلحات أو الكلمات غير المألوفة ويستخدم مصطلحات ذات معنى لجمهور أوسع. يجب أن تضع في اعتبارك أن الجمهور الذي تخاطبه قد لا تكون تلك الاختصارات أو المصطلحات مفهومة لديه أو قد تؤدي معنى آخر. وإذا كان لابد من استخدام المصطلحات العلمية، فاشرحها بمصطلحات مفهومة بشكل أكثر شيوعًا. جرب خيارات متعددة حتى تجد المصطلحات المفهومة بشكل أفضل.

 

٥- ترابط وتواضع مع الجمهور

تتمثل إحدى طرق تجنب المصطلحات العلمية في دمج المقارنات والقصص في اتصالاتك العلمية. فمثلاً، ضرب الأمثال التي تمس حياة الجمهور، ورواية القصص طريقة "لإضفاء الطابع الإنساني" على البحث العلمي أو غير ذلك من الموضوعات التقنية، فذلك يقرب المعنى ويجعل الموضوع المعقد يبدو أكثر سهولة، ويساعد على تذكره. فقط تأكد من أنه يرتبط بنتائجك الرئيسية أو رسالتك العامة، حتى لا تشتت الوعي وتصل إلى غير الهدف.

لا تتعامل مع الجمهور على أنه "الآخر"، فأنت بذلك تضعف قدرتك على محاورته، كن جزءاً منه. بدلاً من مجرد تقديم المعلومات في شكل محاضرة، من المهم التعامل مع الجمهور كلما أمكن ذلك - من خلال طرح الأسئلة بعد العرض، والرد على التعليقات ذات الصلة على وسائل التواصل الاجتماعي، والسعي لمعالجة المفاهيم الخاطئة بدلاً من رفضها. المحادثات والرد على التعليقات تسمح بإجراء حوار، مما يساعد الجمهور على الشعور براحة أكبر مع المفهوم العلمي.

تواضع، فالعلماء مثلهم مثل أي شخص آخر، هم مجموعة فرعية من عامة الناس. كل واحد منا، وفي أي مجال خارج مجال تخصصه هناك شخص آخر يعتبرنا فيه من عامة الناس. فيجب أن نركز على الفضول العلمي والأهداف المشتركة للجمهور، ونقدّر ذلك، فالعلم بدأ بواسطة هواة قبل أن يصبح مجالا للتخصصات.

 

٦- تقديم المرئيات 

تعد المخططات والرسوم البيانية والصور والمرئيات الأخرى طريقة أخرى لتجنب المصطلحات وجعل الجمهور مرتاحًا لموضوع ما. وكما يُقال "الصورة تُغني عن ألف كلمة".

  وإنشاء الرسوم التوضيحية سهل باستخدام برنامج اكسل على سبيل المثال، كما أن العديد من البرامج التي يستخدمها الباحثون في مختبراتهم يمكنها إنشاء رسوم توضيحية بنفسها أو بالارتباط ببعض التطبيقات، ويمكن للباحثين استخدامها لإنتاج تلك الرسوم في عروضهم ومحاضراتهم. ومع ذلك، يجب الحذر في استخدام تلك الرسوم والصور بما يتناسب من الغرض والجمهور، والتأكد من أن جمهورك يفهمها بالشكل المناسب.

 

٧- التمسك بثلاث نقاط

حاول التركيز على ثلاث نقاط على الأكثر، حتى لا تشتت الجمهور. فكثرة الموضوعات والإسهاب فيها يشتت انتباه الجمهور ويبعدك عن الهدف الرئيسي للتواصل. 


٨- التركيز على التأثير الأكبر والصورة الأوسع 

تذكر أن العمل الذي تقوم به في المختبر أو الحقل هو جزء من مشكلة أكبر، سواء كان ذلك في علاج السرطان أو معالجة تغير المناخ.  الحديث عن الصورة الكبيرة للموضوع قد يساعد الجمهور على فهم سبب أهمية عملك حتى لو لم يفهموا خطوات بحثك أو الفروق الدقيقة في علم الأحياء أو الكيمياء أو الفيزياء. سيؤدي وضع الصورة الكبيرة في الاعتبار إلى تواصل علمي أكثر تأثيرًا وفعالية. 

 

تواصل مع الكاتب: mmr@arsco.org

bottom of page